أوقات الصلاة
التقويم القمري
ساعة ماوس
اذاعة القران الكريم
أذكار الصباح والمساء
توطئة لمحور الشعر الأندلسيّ
صفحة 1 من اصل 1
توطئة لمحور الشعر الأندلسيّ
رغم استقلال بلاد المغرب خلال القرن الرّابع للهجرة عن المشرق العربيّ سياسيّا فإنّها ظلّت متعلّقة بها فنّيّا ووجدانيّا، فقد كان الأندلسيّون ينظرون إلى الشّرق وما يأتي منه نظرة إعجاب وتقدير؛ فكانوا في غالب أمرهم مقلّدين للمشارقة، ويبدو ذلك واضحاً في ألقاب الشّعراء وفي معارضاتهم لأرباب القريض من المشرق فضلا عن الأغراض الّتي طرقوها.
ولكنّ هذا التّقليد لم يمنعهم من الإِبداع والابتكار، والتميّز بميزات أكسبتهم فرادتهم نتيجة لعوامل كثيرة، لعلّ من أهمّها البيئة الأندلسيّة الجديدة الجميلة التي طبعت الأدب الأندلسي بطابع مخصوص. ولم يترك أهل الأندلس باباً من أبواب الشّعر المعروفة إلا قرعوه ونوّعوا أغراضه وفنونه، فمنه ما ترسّموا به أهل المشرق فواطؤوهم في معانيهم وشاركوهم في أساليبهم وعارضوهم في مشهورات قصائدهم بيد أنّهم لم يبلغوا شأوهم ولا شقّوا غبارهم، ومنه ما استحدثوه وفاقوا به المشارقة كوصف الطبيعة والعمران ورثاء الممالك البائدة. وَلعلّ شَغَفُ الأندلسيّين بالطبيعة هو الّذي منحهم ذلك الخيال الرّحب و القدرة الفائقة على التّصوير، فكانت الرّقّة والسّلاسة ميزة أشعارهم والفضل في ذلك للأندلس وما كان لربوعها من تأثيرعميق في نفوسهم. و الملاحظ ممّا خلّفوه من شعر في هذا الفن أنّهم لم يقفوا به عند اتّجاه واحد ، و إنّما نرى لهم فيه اتّجاهات شتّى ، و لعلّ منشأ هذا التّنوّع في المذاهب ، راجع إلى أنّ تعلّقهم الشّديد بطبيعة بلادهم الفاتنة كان له عميق الأثر في نفوسهم ، و من ثمّ فإنّهم كانوا كلّما شاهدوها أو تذكّروها ، هزّت مشاعرهم و أذكت شاعريّتهم ، و ألهمتهم من معانيها ومرائيها ما لا يملكون له دفعا إلاّ بالتّعبير عنه فنًّا تمجيدا لهذه الطبيعة الفاتنة و تغزّلا بها إذ يقول الرّافعي "يمتاز شعر فحول الأندلس بتجسيم الخيال الرّقيق وإحاطته بالمعاني المبتكرة الّتي توحي بها الحضارة، والتّصرّف في أرقّ فنون القول واختيار الألفاظ الّتي تكون مادّة لتصوير الطبيعة وإبداعها في جمل وعبارات تخرج بطبيعتها كأنّها التوقيع الموسيقيّ... ومن أجل ذلك أحكموا التّشبيه وبرعوا في الوصف لأنّهما عنصران لازمان في تركيب هذه الفلسفة الرّوحية الّّتي هي الشّعر الطبيعيّ".و وجد الشّعراء العرب في أوربّا ما لم يجدوه في آسيا من الحياة المتنوّعة والأجواء المتغيّرة والمناظر المختلفة والأمطار المتّصلة والخمائل الجميلة والأدواح الظليلة والأنهار الرَّويّة والسّهول الغنيّة والجبال العليّة، والمروج المطرّزة بألوان الزهر البهيّة فصفت أذهانهم وسما وجدانهم وعذب بيانهم ووسّعوا دائرة الأدب وهذّبوا الشّعر فتأنّقوا في ألفاظه وتنوّقوا في معانيه ونوّعوا في قوافيه وتفنّنوا في خياله ودبّجوه تدبيج الزّهر وسلسلوه سلسلة النّهر وأكثروا من نظمه في البحور الخفيفة القصيرة حتّى ضاقت أوزان العروض عمّا تقتضيه رقّة الحضارة ورقيّ الغناء فاستحدثوا المُوَشَّح باللغة الفصحى، ثمّ تطوّر عند انحطاط الأدب واضمحلال أمر العرب إلى الزَّجَل باللغة العامّيّة.. إلا أنّ شعرهم- على الجملة- جار مجرى الشّعر المشرقيّ، فلم تبعد حدوده، ولم يكسر قيوده إلا بمقدار يسير من ابتداع فنّ الموشّح وتنويع القافية..
وقد مرّ الشّعر الأندلسيّ بأطوار ثلاثة: فكان منذ الفتح حتّى أوائل القرن الخامس الهجريّ يمثّل تقليدا و محاكاة لأدب المشرق، ولم يكن التّقليد عجزاً عن الابتكار، وإنّما لشعور الانتماء إلى الأصل كشعر ابن عبد ربه، وابن هانئ وابن شُهَيْد، وابن درّاج القسطلي. وفي القرن الخامس الهجريّ جمع الشّعراء بين التّجديد والأخذ بشيء من التّقليد، ويمثّل هذا التّطوّر شعر ابن زيدون، وابن عمّار،والمعتمد بن عبّّاد، وابن الحدّاد، والأعمى التّطيلي. أمّا في القرن السّادس الهجريّ وما بعده، فقد صوّر الشّعراء بيئتهم و تغنّوا بطبيعتهم، وبرزت العوامل الأندلسيّة الذّاتيّّة في نظمهم و نلحظ ذلك في شعر ابن حمديس، وابن خفاجة، وابن سهل، وأبي البقاء الرّنديّ، ولسان الدّين بن الخطيب، وابن زَمْرَك..كما كان لهوى الجديد صدى عظيماً في نفوس الأندلسيّين، فلم يتقيّد أغلبهم بأساليب الأعراب ومعانيهم وأوصافهم، ولم تكن لغتهم محكمة السَّبك متينة الحبك كلغة المشارقة والأقدمين لبعد صقعهم عن البادية، ولوجود جيل لم يكن عربيّاً صرفاً، وقد نفروا من الألفاظ الحوشيّة إلى الألفاظ المأنوسة الرّقيقة، وكانت القافية الواحدة، وأوزان العروض الستّة عشر ومثلها أكثر المعاني والأساليب المتوارثة قوام الشعر التّّقليديّ في الأندلس.و نظم الأندلسيّّون الشّعر في الأغراض التّقليديّة كالغزل والمجون والزُّهد والتّصوُّف والمدح والهجاء والرّثاء، وقد طوّروا موضوع الرّثاء فأوجدوا غرض «رثاء البلدان و الحنين إلى الأوطان» وتأثّروا بأحداث العصر السّياسيّة فنظموا «شعر الاستغاثة»، وتوسّعوا في وصف البيئة الأندلسيّة، واستحدثوا فنَّ المُوشّحات والأزجال. وكان الغزل من أبرز الفنون التّقليديّة، يستهلّ به الشّعراء قصائدهم، أو يأتون به غرضا مستقلاً، إذ أنّ الشّعراء جعلوا المرأة صورة من محاسن الطبيعة وانعكاسا حيًّا لها. و يؤكّد ذلك المعنى قول المقَّري: «إنّهم إذا تغزّلوا صاغوا من الورد خدوداً، ومن النّرجس عيوناً، ومن الآس أصداغاً، ومن السّفرجل نهوداً، ومن قصب السُّكّر قُدوداً، ومن قلوب اللوز وسرر التّفّاح مباسم، ومن ابنة العنب رضاباً».وقد ألهبت طبيعة الأندلس الجميلة قرائح الشّعراء، فرسموا لوحات شعريّّة متنوّعة أودعوها أخيلتهم وعواطفهم و أسقطوا عليها مشاعرهم وانفعالاتهم .ويغلب على الوصف في الشّعر الأندلسيّ التَّشبيهات والاستعارات قوالب بيانيّة وأساليب البديع المتجلّية في ثراء نصوصهم بالمُحَسِّّنات اللفظيّة، فقد صوّر الشّعراء الطبيعة فأحسنوا المزج بين الألوان، وجمعوا بين الحسّ المُرْهف، والملاحظة الدّقيقة العميقة.و أحدث الأندلسيّون فناً جديداً يتجاوب مع البيئة المترفة الّتي شاع فيها الغزل والمجون والغناء وهو الموشّح الّذي يعتمد أكثر من وزن وأكثر من قافية، فيعمد الوَشّاح فيه إلى ضرب من التّنويع والانزياح عن سنن العروض المألوفة وقواعد اللغة المعروفة .
والموشّح مأخوذ من الوشاح، وهو: عقد من لؤلؤ وجوهر منظومين، مخالف بينهما، معطوف أحدهما على الآخر، تتوشّح المرأة به.
و له في الاصطلاح الأدبيّ تعريفات كثيرة، لعلّ أدقّها ما ذكره ابن سناء الملك في كتابه (دار الطراز) ، حيث يقول: "الموشّح: كلام منظوم على وزن مخصوص بقوافٍ مختلفة، وهو يتألّف في الأكثر من ستّة أقفال وخمسة أبيات، ويقال له: التّام. وفي الأقلّ من خمسة أقفال وخمسة أبيات، ويقال له: الأقرع. فالتّام ما ابتدِئ فيه بالأقفال، والأقرع ما ابتُدِئ فيه بالأبيات".
واختراع الموشّحات الأندلسيّة كان نتيجة لانتشار مجالس اللهو و ما آلت إليه أسباب الحياة و مناحي الحضارة من تطوّر، لأنّ الموشّح يلائم بإيقاعه و موضوعه ذلك، التّغير.. وهو تجديد في شكل القصيدة وليس في مضمونها.و دليل ذلك قول ابن خلدون في مقدّمته: وأمّا أهل الأندلس فلمّا كثر الشّعر في قطرهم وتهذّبت مناحيه وفنونه، وبلغ التّنميق فيه الغاية، استحدث المتأخّرون منهم فناً منه سمّوه بالموشّح، وينظمونه أسماطاً أسماطاً وأغصاناً أغصاناً، يكثرون منها، ومن أعاريضها المختلفة. ويسمّون المتعدّد منها بيتاً واحداً ويلتزمون عند قوافي تلك الأغصان وأوزانها متتالياً فيما بعد إلى آخر القطعة، وأكثر ما تنتهي عندهم إلى سبعة أبيات. ويشتمل كلّ بيت على أغصان عددها بحسب الأغراض والمذاهب وينسبون فيها ويمدحون كما يفعل في القصائد. وتجاروا في ذلك إلى الغاية واستظرفه النّاس جملة، الخاصّة والكافّة، لسهولة تناوله، وقرب طريقه. وقد أدَّى اهتمام الأندلسيّين بالموشّح وكثرة الوشّاحين إلى إغراقهم في ذلك الفنّ، وإلى تعدّد أنماطه حتى تحوّل إلى صناعة لفظيّة يغلب عليها التكلّف، كما أنّ العاميّة دخلت الموشّح، حتّى إن ابن سناء الملك يرى أنّ الخرجة يجب أن تكون عاميّة، فإن كانت معربة الألفاظ خرج الموشّح من أن يكون موشّحاً، اللهمّ إلا إذا كان موشّح مدح...
وقد تناول الوشّاحون في موشّحاتهم أغراض الشّعر العربيّ المشهورة من مدح ووصف وغزل وهجاء ورثاء وزهد... ولكن أشهر الموشحات كانت في الغزل واللهو ووصف الطبيعة.
ولمّا شاع فنّ التّوشيح في أهل الأندلس لسلاسته وتنميق كلامه وترصيع أجزائه، نسجت العامّة على منواله بلغة حضريّة غير معربة قريبة إلى اللغة التي يتكلّم بها النّاس في مخاطباتهم اليوميّة وهو ما سمّوه بالزّجَلِ.
إنّ المتأمّل فيما نظمه شعراء الأندلس من قصائد يدرك بيسر ما تحكمها بنظائرها الصّادرة عن أهل المشرق من علاقة جدليّة قائمة على ثنائيّتي الائتلاف و الاختلاف و التّأثّر و التّأثير، و ينفي عنها مظنّة التّقليد و المحاكاة، إذ هي لا تخلو من جدّة و ابتداع جعلتها تتبوّأ تلك المنزلة الرّفيعة في الأدب، و تحقّق للمتلقّي ما ينشده من فائدة و إمتاع.
ولكنّ هذا التّقليد لم يمنعهم من الإِبداع والابتكار، والتميّز بميزات أكسبتهم فرادتهم نتيجة لعوامل كثيرة، لعلّ من أهمّها البيئة الأندلسيّة الجديدة الجميلة التي طبعت الأدب الأندلسي بطابع مخصوص. ولم يترك أهل الأندلس باباً من أبواب الشّعر المعروفة إلا قرعوه ونوّعوا أغراضه وفنونه، فمنه ما ترسّموا به أهل المشرق فواطؤوهم في معانيهم وشاركوهم في أساليبهم وعارضوهم في مشهورات قصائدهم بيد أنّهم لم يبلغوا شأوهم ولا شقّوا غبارهم، ومنه ما استحدثوه وفاقوا به المشارقة كوصف الطبيعة والعمران ورثاء الممالك البائدة. وَلعلّ شَغَفُ الأندلسيّين بالطبيعة هو الّذي منحهم ذلك الخيال الرّحب و القدرة الفائقة على التّصوير، فكانت الرّقّة والسّلاسة ميزة أشعارهم والفضل في ذلك للأندلس وما كان لربوعها من تأثيرعميق في نفوسهم. و الملاحظ ممّا خلّفوه من شعر في هذا الفن أنّهم لم يقفوا به عند اتّجاه واحد ، و إنّما نرى لهم فيه اتّجاهات شتّى ، و لعلّ منشأ هذا التّنوّع في المذاهب ، راجع إلى أنّ تعلّقهم الشّديد بطبيعة بلادهم الفاتنة كان له عميق الأثر في نفوسهم ، و من ثمّ فإنّهم كانوا كلّما شاهدوها أو تذكّروها ، هزّت مشاعرهم و أذكت شاعريّتهم ، و ألهمتهم من معانيها ومرائيها ما لا يملكون له دفعا إلاّ بالتّعبير عنه فنًّا تمجيدا لهذه الطبيعة الفاتنة و تغزّلا بها إذ يقول الرّافعي "يمتاز شعر فحول الأندلس بتجسيم الخيال الرّقيق وإحاطته بالمعاني المبتكرة الّتي توحي بها الحضارة، والتّصرّف في أرقّ فنون القول واختيار الألفاظ الّتي تكون مادّة لتصوير الطبيعة وإبداعها في جمل وعبارات تخرج بطبيعتها كأنّها التوقيع الموسيقيّ... ومن أجل ذلك أحكموا التّشبيه وبرعوا في الوصف لأنّهما عنصران لازمان في تركيب هذه الفلسفة الرّوحية الّّتي هي الشّعر الطبيعيّ".و وجد الشّعراء العرب في أوربّا ما لم يجدوه في آسيا من الحياة المتنوّعة والأجواء المتغيّرة والمناظر المختلفة والأمطار المتّصلة والخمائل الجميلة والأدواح الظليلة والأنهار الرَّويّة والسّهول الغنيّة والجبال العليّة، والمروج المطرّزة بألوان الزهر البهيّة فصفت أذهانهم وسما وجدانهم وعذب بيانهم ووسّعوا دائرة الأدب وهذّبوا الشّعر فتأنّقوا في ألفاظه وتنوّقوا في معانيه ونوّعوا في قوافيه وتفنّنوا في خياله ودبّجوه تدبيج الزّهر وسلسلوه سلسلة النّهر وأكثروا من نظمه في البحور الخفيفة القصيرة حتّى ضاقت أوزان العروض عمّا تقتضيه رقّة الحضارة ورقيّ الغناء فاستحدثوا المُوَشَّح باللغة الفصحى، ثمّ تطوّر عند انحطاط الأدب واضمحلال أمر العرب إلى الزَّجَل باللغة العامّيّة.. إلا أنّ شعرهم- على الجملة- جار مجرى الشّعر المشرقيّ، فلم تبعد حدوده، ولم يكسر قيوده إلا بمقدار يسير من ابتداع فنّ الموشّح وتنويع القافية..
وقد مرّ الشّعر الأندلسيّ بأطوار ثلاثة: فكان منذ الفتح حتّى أوائل القرن الخامس الهجريّ يمثّل تقليدا و محاكاة لأدب المشرق، ولم يكن التّقليد عجزاً عن الابتكار، وإنّما لشعور الانتماء إلى الأصل كشعر ابن عبد ربه، وابن هانئ وابن شُهَيْد، وابن درّاج القسطلي. وفي القرن الخامس الهجريّ جمع الشّعراء بين التّجديد والأخذ بشيء من التّقليد، ويمثّل هذا التّطوّر شعر ابن زيدون، وابن عمّار،والمعتمد بن عبّّاد، وابن الحدّاد، والأعمى التّطيلي. أمّا في القرن السّادس الهجريّ وما بعده، فقد صوّر الشّعراء بيئتهم و تغنّوا بطبيعتهم، وبرزت العوامل الأندلسيّة الذّاتيّّة في نظمهم و نلحظ ذلك في شعر ابن حمديس، وابن خفاجة، وابن سهل، وأبي البقاء الرّنديّ، ولسان الدّين بن الخطيب، وابن زَمْرَك..كما كان لهوى الجديد صدى عظيماً في نفوس الأندلسيّين، فلم يتقيّد أغلبهم بأساليب الأعراب ومعانيهم وأوصافهم، ولم تكن لغتهم محكمة السَّبك متينة الحبك كلغة المشارقة والأقدمين لبعد صقعهم عن البادية، ولوجود جيل لم يكن عربيّاً صرفاً، وقد نفروا من الألفاظ الحوشيّة إلى الألفاظ المأنوسة الرّقيقة، وكانت القافية الواحدة، وأوزان العروض الستّة عشر ومثلها أكثر المعاني والأساليب المتوارثة قوام الشعر التّّقليديّ في الأندلس.و نظم الأندلسيّّون الشّعر في الأغراض التّقليديّة كالغزل والمجون والزُّهد والتّصوُّف والمدح والهجاء والرّثاء، وقد طوّروا موضوع الرّثاء فأوجدوا غرض «رثاء البلدان و الحنين إلى الأوطان» وتأثّروا بأحداث العصر السّياسيّة فنظموا «شعر الاستغاثة»، وتوسّعوا في وصف البيئة الأندلسيّة، واستحدثوا فنَّ المُوشّحات والأزجال. وكان الغزل من أبرز الفنون التّقليديّة، يستهلّ به الشّعراء قصائدهم، أو يأتون به غرضا مستقلاً، إذ أنّ الشّعراء جعلوا المرأة صورة من محاسن الطبيعة وانعكاسا حيًّا لها. و يؤكّد ذلك المعنى قول المقَّري: «إنّهم إذا تغزّلوا صاغوا من الورد خدوداً، ومن النّرجس عيوناً، ومن الآس أصداغاً، ومن السّفرجل نهوداً، ومن قصب السُّكّر قُدوداً، ومن قلوب اللوز وسرر التّفّاح مباسم، ومن ابنة العنب رضاباً».وقد ألهبت طبيعة الأندلس الجميلة قرائح الشّعراء، فرسموا لوحات شعريّّة متنوّعة أودعوها أخيلتهم وعواطفهم و أسقطوا عليها مشاعرهم وانفعالاتهم .ويغلب على الوصف في الشّعر الأندلسيّ التَّشبيهات والاستعارات قوالب بيانيّة وأساليب البديع المتجلّية في ثراء نصوصهم بالمُحَسِّّنات اللفظيّة، فقد صوّر الشّعراء الطبيعة فأحسنوا المزج بين الألوان، وجمعوا بين الحسّ المُرْهف، والملاحظة الدّقيقة العميقة.و أحدث الأندلسيّون فناً جديداً يتجاوب مع البيئة المترفة الّتي شاع فيها الغزل والمجون والغناء وهو الموشّح الّذي يعتمد أكثر من وزن وأكثر من قافية، فيعمد الوَشّاح فيه إلى ضرب من التّنويع والانزياح عن سنن العروض المألوفة وقواعد اللغة المعروفة .
والموشّح مأخوذ من الوشاح، وهو: عقد من لؤلؤ وجوهر منظومين، مخالف بينهما، معطوف أحدهما على الآخر، تتوشّح المرأة به.
و له في الاصطلاح الأدبيّ تعريفات كثيرة، لعلّ أدقّها ما ذكره ابن سناء الملك في كتابه (دار الطراز) ، حيث يقول: "الموشّح: كلام منظوم على وزن مخصوص بقوافٍ مختلفة، وهو يتألّف في الأكثر من ستّة أقفال وخمسة أبيات، ويقال له: التّام. وفي الأقلّ من خمسة أقفال وخمسة أبيات، ويقال له: الأقرع. فالتّام ما ابتدِئ فيه بالأقفال، والأقرع ما ابتُدِئ فيه بالأبيات".
واختراع الموشّحات الأندلسيّة كان نتيجة لانتشار مجالس اللهو و ما آلت إليه أسباب الحياة و مناحي الحضارة من تطوّر، لأنّ الموشّح يلائم بإيقاعه و موضوعه ذلك، التّغير.. وهو تجديد في شكل القصيدة وليس في مضمونها.و دليل ذلك قول ابن خلدون في مقدّمته: وأمّا أهل الأندلس فلمّا كثر الشّعر في قطرهم وتهذّبت مناحيه وفنونه، وبلغ التّنميق فيه الغاية، استحدث المتأخّرون منهم فناً منه سمّوه بالموشّح، وينظمونه أسماطاً أسماطاً وأغصاناً أغصاناً، يكثرون منها، ومن أعاريضها المختلفة. ويسمّون المتعدّد منها بيتاً واحداً ويلتزمون عند قوافي تلك الأغصان وأوزانها متتالياً فيما بعد إلى آخر القطعة، وأكثر ما تنتهي عندهم إلى سبعة أبيات. ويشتمل كلّ بيت على أغصان عددها بحسب الأغراض والمذاهب وينسبون فيها ويمدحون كما يفعل في القصائد. وتجاروا في ذلك إلى الغاية واستظرفه النّاس جملة، الخاصّة والكافّة، لسهولة تناوله، وقرب طريقه. وقد أدَّى اهتمام الأندلسيّين بالموشّح وكثرة الوشّاحين إلى إغراقهم في ذلك الفنّ، وإلى تعدّد أنماطه حتى تحوّل إلى صناعة لفظيّة يغلب عليها التكلّف، كما أنّ العاميّة دخلت الموشّح، حتّى إن ابن سناء الملك يرى أنّ الخرجة يجب أن تكون عاميّة، فإن كانت معربة الألفاظ خرج الموشّح من أن يكون موشّحاً، اللهمّ إلا إذا كان موشّح مدح...
وقد تناول الوشّاحون في موشّحاتهم أغراض الشّعر العربيّ المشهورة من مدح ووصف وغزل وهجاء ورثاء وزهد... ولكن أشهر الموشحات كانت في الغزل واللهو ووصف الطبيعة.
ولمّا شاع فنّ التّوشيح في أهل الأندلس لسلاسته وتنميق كلامه وترصيع أجزائه، نسجت العامّة على منواله بلغة حضريّة غير معربة قريبة إلى اللغة التي يتكلّم بها النّاس في مخاطباتهم اليوميّة وهو ما سمّوه بالزّجَلِ.
إنّ المتأمّل فيما نظمه شعراء الأندلس من قصائد يدرك بيسر ما تحكمها بنظائرها الصّادرة عن أهل المشرق من علاقة جدليّة قائمة على ثنائيّتي الائتلاف و الاختلاف و التّأثّر و التّأثير، و ينفي عنها مظنّة التّقليد و المحاكاة، إذ هي لا تخلو من جدّة و ابتداع جعلتها تتبوّأ تلك المنزلة الرّفيعة في الأدب، و تحقّق للمتلقّي ما ينشده من فائدة و إمتاع.
Admin- المدير
- عدد المساهمات : 297
تاريخ التسجيل : 13/08/2010
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد ديسمبر 16, 2012 1:52 am من طرف Admin
» توبة التائبين
السبت يناير 28, 2012 1:28 am من طرف Admin
» الحماسة في الشعر العربي
السبت يناير 28, 2012 1:26 am من طرف Admin
» Windows Live Messenger 2012
الأحد نوفمبر 20, 2011 7:29 am من طرف Admin
» الفيلم الدرامي الرائع هليوبوليس
الأحد نوفمبر 20, 2011 7:14 am من طرف Admin
» ولاد البلد
الأحد نوفمبر 20, 2011 7:09 am من طرف Admin
» دراسة في شعر الحماسة
الأحد نوفمبر 20, 2011 6:13 am من طرف Admin
» كلام من نور
الأحد نوفمبر 20, 2011 5:28 am من طرف Admin
» يا رب استجب
الأحد نوفمبر 20, 2011 5:25 am من طرف Admin